نسمة أمل
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


اسلامي / أخلاقي / تربوي / فن / إبداع / أقلام / خواطر /هادف
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 تفسير سورة البقرة*الجزء الثالث*

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
الدرة الثمينة

الدرة الثمينة


عدد المساهمات : 61
تاريخ التسجيل : 29/08/2009
العمر : 32

تفسير سورة البقرة*الجزء الثالث* Empty
مُساهمةموضوع: تفسير سورة البقرة*الجزء الثالث*   تفسير سورة البقرة*الجزء الثالث* Emptyالإثنين أغسطس 31, 2009 8:56 am

تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان
سورة البقرة
89

((وَلَمَّا جَاءهُمْ))، أي اليهود ((كِتَابٌ مِّنْ عِندِ اللّهِ))، هو القرآن، ((مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ))، أي الكتاب الذي مـع اليهود، وهو التوراة، فإن القرآن يصدق التوراة الحقيقي المنزل على موسى (عليه السلام)، (إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور)، ((وَكَانُواْ))، أي اليهود ((مِن قَبْلُ))، أي قبل أن يأتي الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) أو ينزل القرآن ((يَسْتَفْتِحُونَ))، أي يطلبون الفتح من الله ((عَلَى الَّذِينَ كَفَرُواْ))، فإنهم كانوا يدعون الله أن يبعث الرسول حتى يكونوا أرجـح كفة من الكفار، ((فَلَمَّا جَاءهُم مَّا عَرَفُواْ))، أي الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي عرفوه بصفاته ومزاياه ((كَفَرُواْ بِهِ))، وأخذوا يحاربوه، بل فوق ذلك أنهم كانوا يرجحون الكافرين على الرسول والمؤمنين قائلين (هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا)، ((فَلَعْنَةُ اللَّه عَلَى)) اليهود ((الْكَافِرِينَ)) بمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وبالقرآن، وهم يعرفون ذلك.

تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان
سورة البقرة
90

((بِئْسَمَا اشْتَرَوْاْ بِهِ أَنفُسَهُمْ))، أي بئس الشيء الذي باع اليهود بذلك أنفسهم، فأعطوا أنفسهم للعذاب الأبدي، واشتروا الكفر ((أَن يَكْفُرُواْ بِمَا أنَزَلَ اللّهُ)) بدل "ما"، أي بئس الكفر الذي أخذوه مقابل أنفسهم، وذلك تشبيه، فكأن الكفر والإسلام سلعتان فمن اختار أحدهما باع نفسه بذلك الشيء، إذ يصرف نفسه في سبيل ذلك، فإذا باع نفسه مقابل الإسلام كان نعم ما اشترى به نفسه، وإذا باع نفسه مقابل الكفر كان بئسما اشترى به نفسه، واشترى هنا بمعنى البيـع، كما قال: (ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله)، ((بَغْياً))، أي حسداً، وهو علة لاشترائهم السيئ، أي كان سبب شرائهم الكفر الحسد الذي كان فيهم لمحمد (صلى الله عليه وآله سلم)، حيث أنه من ولد إسماعيل لا من ولد جدهم إسحاق (عليهما السلام)، ((أَن يُنَزِّلُ اللّهُ)) الدين ((مِن فَضْلِهِ عَلَى مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ))، و"أن ينزل" متعلق بـ"بغيا"، أي أن الحسد من جهة نزول القرآن على محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) دون غيره، ((فَبَآؤُواْ))، أي رجع اليهود ((بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ))، فإنهم كانوا مغضوباً عليهم من جهة تعدياتهم في زمان موسى وعيسى وسائر الأنبياء (عليهم السلام)، فغضب الله عليهم مرة أخرى من جهة كفرهم بمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ((وَلِلْكَافِرِينَ)) الذين من أظْهَر مصاديقهم اليهود ((عَذَابٌ مُّهِينٌ))، وهو العذاب الذي يذل صاحبه ويهينـه.

تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان
سورة البقرة
91

((وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ))، أي لليهود ((آمِنُواْ بِمَا أَنزَلَ اللّهُ)) على محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ((قَالُواْ نُؤْمِنُ بِمَآ أُنزِلَ عَلَيْنَا)) من التوراة، ((وَيَكْفُرونَ بِمَا وَرَاءهُ))، أي وراء ما نزل عليه من كتاب عيسى (عليه السلام) ومحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ((وَهُوَ))، أي ما وراء كتابهم ((الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَهُمْ)) والجملة حالية، ((قُلْ)) إنكم تكذبون في قولكم "نؤمن بما أنزل علينا"، فإنك<م> لستم بمؤمنين حتى بالتوراة، وإلا ((فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنبِيَاء اللّهِ مِن قَبْلُ)) في السابق ((إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ)) بالتوراة، فإن كتابكم حرم قتل الأنبياء، فأنتم لستم بمؤمنين لا بكتابكم ولا بما بعد كتابكم من الإنجيل والقرآن.

تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان
سورة البقرة
92

((وَ)) كيف تقولون "نؤمن بما أنزل علينا" وعملكم يدل على خلاف ذلك؟ فـ((لَقَدْ جَاءكُم مُّوسَى بِالْبَيِّنَاتِ))، أي بالحجج الواضحة، ((ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ)) إلهاً لكم ((مِن بَعْدِهِ))، أي بعد رواحه إلى الطور، ((وَ)) الحال ((أَنتُمْ ظَالِمُونَ)) لأنفسكم في عبادة العجل، فلو كنتم مؤمنين بما نُزِّل عليكم لم تتخذوا العجل إلها؟

تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان
سورة البقرة
93

((وَ)) اذكروا يا بني إسرائيل ((إِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ)): عهدكم الشديد بالعمل بالتوراة، ((وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ))، أي قطعة من جبل الطور- كما تقدم - وقلنا لكم ((خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ))، أي بشدة، بمعنى العمل بكل ما في الكتاب عملاً مستمراً قوياً، ((وَاسْمَعُواْ)) أوامر الله سبحانه. ((قَالُواْ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا))، حكاية حالهم، ويحتمل أنهم قالوه بلفظهم استهزاء، ((وَأُشْرِبُواْ فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ)) فكما أن من شرب الماء يدخل الماء في جوفه كذلك اليهود دخل العجل- أي حبه - في قلوبهم ((بِـ)) سبب ((كُفْرِهِمْ)) بالله سبحانه، ((قُلْ)) يا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لهم: ((بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ)) الذي قلتم (نؤمن بما أنزل علينا)، فإن الإيمان الذي يأمر باتباع العجل ليس إيمانا وإنما هو كفر، ((إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ))، وهذا استهزاء لهم، ثم إنه إنما كرر "رفـع الطور" للدلالة على أنهم عكسوا الميثاق الذي أخذ منهم - حال الرفـع - بل اتخذوا العجل إلهاً.

تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان
سورة البقرة
94

((قُلْ)) يا رسول الله لهؤلاء اليهود، الذين يقولون أن الآخرة هي لهم وحدهم لا يشركهم فيها غيرهم من النصارى والمسلمين وغيرهما: ((إِن كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الآَخِرَةُ عِندَ اللّهِ خَالِصَةً مِّن دُونِ النَّاسِ)) عند الله، صفة للدار الآخرة، أي الدار التي هي عند الله، ومن دون الناس صفة لخالصته، أو لقوله "لكم" ((فَتَمَنَّوُاْ الْمَوْتَ))، لأن من يدري أن مصيره إلى الجنة لابد وأن يتمنى الموت، حتى يخلص من آلام الدنيا وأتعابها ((إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ)) في مقالكم وكنتم تعتقدون ما تقولونه بألسنتكم.

تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان
سورة البقرة
95

ثم أخبر سبحانه بأنهم ليسوا صادقين ((وَ)) الدليل على ذلك أنهم ((لَن يَتَمَنَّوْهُ))، أي الموت ((أَبَدًا)) في حين من الأحيان ((بِـ)) سبب ((مَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ)) من المعاصي والمنكرات والكفر، وإنما نسب التقديم إلى اليد لأنها الآلة الظاهرة في تقديم الأشياء المحسوسة غالباً، ((وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمينَ))، فلا يفتر بمقالهم إن لهم الآخرة وإنهم أحباء الله، دون من سواهم.

تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان
سورة البقرة
96

((وَ)) كيف أنهم يتمنون الموت، والحال أنك يا رسول الله ((لَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ))، فإنهم أشد حرصاً من سائر الناس على البقاء في الدنيا، لأنهم يعلمون أن آخرتهم إلى النار والعذاب، ((وَ)) حتى أنهم أحرص ((مِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ)) إذ المشرك يزعم أنه لا شيء وراءه، فيكون حريصا على البقاء لئلا يفنى، وهؤلاء حيث يعلمون العقاب، يكونوا أحرص من المشركين، ((يَوَدُّ))، أي يحب ((أَحَدُهُمْ))، أي كل واحد منهم ((لَوْ يُعَمَّرُ)) ويطول عمره ((أَلْفَ سَنَةٍ)) حتى لا يذوق العذاب عاجلاً، ((وَ)) الحال ((مَا هُوَ))، أي ليس التعمير ألف سنة ((بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ))، زحزحه أي نحاه، وقوله ((أَن يُعَمَّرَ)) بدل "هو"، أي ما التعمير بمزحزحه من العذاب، فما الفائدة في البقاء ألف سنة لمن عاقبته النار، ((وَاللّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ)) من الكفر والسيئات، فيجازيهم عليها يوم القيامة بالنار والعذاب.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
الدرة الثمينة

الدرة الثمينة


عدد المساهمات : 61
تاريخ التسجيل : 29/08/2009
العمر : 32

تفسير سورة البقرة*الجزء الثالث* Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سورة البقرة*الجزء الثالث*   تفسير سورة البقرة*الجزء الثالث* Emptyالإثنين أغسطس 31, 2009 9:00 am

تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان
سورة البقرة
97

((قُلْ)) يا رسول الله لليهود الذين جاؤوك وقالوا لك لو أن الملك الذي يأتيك ميكائيل لامنا بك، فإنه ملك الرحمة يأتي بالسرور والرخاء وهو صديقنا، وجبرائيل ملك العذاب ينزل بالقتل والشدة والحرب وهو عدونا، فإن كان ينزل عليه جبرائيل لا نؤمن به. ((مَن كَانَ عَدُوًّا لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ)) ليس سببا فيما يعمل حتى تتخذونه عدواً، بل إنه ((نَزَّلَهُ))، أي القرآن ((عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللّهِ)) لا من عند نفسه ((مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ))، أي للكتاب الذي قبله وهو التوراة ((وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ))، فأي ذنب لجبريل (عليه السلام) حتى تتخذونه عدواً ولا تؤمنون بالكتاب الذي يأتي به.

تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان
سورة البقرة
98

((مَن كَانَ عَدُوًّا لِّلّهِ))، أي يفعل فعل المعادي من الإتيان بما يكرهه سبحانه ((وَمَلآئِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ))، وإنما خصهما بالذكر لأنهما موضع البحث مـع اليهود ((فَإِنَّ اللّهَ عَدُوٌّ لِّلْكَافِرِينَ))، إذ كل من يعادي أحد هؤلاء يكون كافرا والله عدو لمن كفر، أي يفعل معه فعل المعادي من الإهانة والتعذيب والعقاب.

تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان
سورة البقرة
99

((وَلَقَدْ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ)) يا رسول الله ((آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ)) واضحات ((وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلاَّ الْفَاسِقُونَ)) الفاسق هو الخارج عن طاعة الله سبحانه.

تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان
سورة البقرة
100

((أَوَكُلَّمَا عَاهَدُواْ))، أي اليهود ((عَهْداً نَّبَذَهُ))، أي نقضه ((فَرِيقٌ مِّنْهُم))، أي جماعة ((بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ)) وهذا إنكار عليهم في نقضهم عهود الأنبياء السابقة بإطاعتهم ونقضهم عهود رسول الله (صلى الله عليه وآله و سلم) في قصة نضير وقريضة، والمراد بالإيمان إما الإيمان بالعهود وإما الإيمان بالله ورسله وإما الإيمان بالرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، وإنما قال أكثرهم أن بعضهم آمن كعبد الله بن سلام.

تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان
سورة البقرة
101

((وَلَمَّا جَاءهُمْ))، أي اليهود ((رَسُولٌ مِّنْ عِندِ اللّهِ)) كعيسى (عليه السلام) ومحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ((مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ)) من التوراة ((نَبَذَ فَرِيقٌ))، أي جماعه ((مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ)) من اليهود الذين أتاهم الله التوراة ((كِتَابَ اللّهِ وَرَاء ظُهُورِهِمْ))، وتركوا أوامره باتباع الأنبياء من بعد موسى ((كَأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ))، أي من أحكام التوراة الإيمان بالأنبياء واتباع الرسل.

تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان
سورة البقرة
102

((وَاتَّبَعُواْ)) عوض الكتاب السحر، فنبذوا الكتاب وراء ظهورهم، وراحوا يتعلقون بـ((مَا تَتْلُواْ)) وتقر ((الشَّيَاطِينُ)) والسحرة ((عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ)) بن داود (عليهما السلام)، حيث أن الشياطين على لسان السحرة على زمان سليمان كانوا يتلون السحر للناس، و"على" بمعنى "في" كما قال ابن مالك: "على للاستعلاء ومعنى في وعن"، أي أن اليهود أخذوا يتعلقون بالسحر الذي كان في زمان سليمان يريدون بذلك جلب الأموال والتقرب إلى الناس، وكانوا يقولون أن سليمان إنما أوتي الملك العظيم بسبب أنه كان يعمل بالسحر، فرد الله عليهم بقوله: ((وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ))، فإن السحر موجب للكفر ولا يخفى أن الكفر على نوعين كفر في العقيدة وكفر في العمل، فالكفر في العقيدة هو إنكار أصول الدين، والكفر في العمل هو ترك واجب أو فعل، ولذا شاع استعمال الكفر على ترك الأوامر <و>فعل النواهي كقوله تعالى: (ومن كفر فإن الله غني عن العالمين) في قصة الحـج، وقوله: (ولئن كفرتم إن عذابي لشديد) في باب الشكر، وقول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): " كفر بالله العظيم من هذه الأمة عشرة" وعد منها النمام ونحوه، وعلى أي حال فسليمان ما كان ساحرا ولم ينل ما نال بالسحر، وإنما بالنبوة والموهبة الإلهية، ((وَلَكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ)) بعملهم بالسحر وتعليمهم للناس إياه، والشياطين أرواح شريرة تلقي الشر في النفوس، كما ثبت في العلم الحديث أيضا وغيره في باب التحضير والتنويم المغناطيسي، ((يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ))، والسحر أمور غير طبيعية تأتي بعلاج خفي ومنه التصرف في العين وفي النفس وفي العقل فيوجب عداوة بين الناس ومرضا وما أشبه، ((وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ)) عطف على قوله "ما تتلوا"، أي أن اليهود تركوا الكتاب واتبعوا سحر الشياطين وسحر الملكين.

ومن قصتهما أن بعد نوح (عليه السلام) كثرت السحرة، فأنزل الله ملكين في "بابل" على نبي ذلك الزمان حتى يعلما الناس إبطال السحر فكانا يقولان للناس: "هذا السحر وهذا إبطاله" كالطبيب الذي يكتب كتاب الطب فيصف الداء وما يسببه والدواء المزيل له فيقول مثلاً أن الشيء الفلاني سم ودوائه كذا فكان الملكان يعلمان السحر وإبطاله، ويحذران الناس أن يعملوا بالسحر، وإنما يصران أن يبطلوا السحر، فإذا تعلم منهما الناس أخذ بعضهم بالسحر - كما أن الشخص يقرأ كتاب الطب فيسقي الناس السم لم يكن ذلك من ذنب المؤلف للطب وإنما هو من العامل بما يضر الناس.

فقد ترى اليهود كتاب الله وأخذوا بالعلم الذي أَنزَل - أي أنزل الله - على الملكين الذين نزلاً ((بِبَابِلَ)) وهما ((هَارُوتَ وَمَارُوتَ))، ولا يظن أحد أنهما كيف يعلمان السحر للناس وهما ملكان من قبل الله تعالى، ((وَ)) ذلك لأنه ((مَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ))، أي ما يعلمان أحد السحر ((حَتَّى يَقُولاَ)) له ((إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ)) وامتحان لك، وكان تعليم للعلاج لا للإضرار، ((فَلاَ تَكْفُرْ)) بأعمال السحر، ((فَيَتَعَلَّمُونَ))، أي الناس ((مِنْهُمَا))، أي من الملكين ((مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ)) وما يوجب العداوة والبغضاء بين الزوجين مما يؤول إلى الفراق والطلاق، ((وَ)) لا يتوهم أن الأمر خرج من يد الله سبحانه، كلا بل إنما شاء الله أن يختبر عباده كما أنه حين يخلق العنب، ويعطي القدرة للبشر، فيعصره خمراً، لا يخرج الأمر من يده سبحانه، بل إنما ذلك للامتحان والابتلاء، ولهذا قال سبحانه: ((مَا هُم))، أي الملكان ومتعلم السحر منهما ((بِضَآرِّينَ بِهِ))، أي بسبب السحر ((مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ))، فإن شيئا لا يؤثر في شيء إطلاقا إلا بإذن الله، ومعنى إذنه أنه يخلي بين المؤثر والمتأثر ولو لم يخل كان عالم الجبر وبطل الامتحان والاختبار، والمراد بهذه الجملة أن شيئا لا يخرج من إرادة الله سبحانه حتى أن يتمكن من الردع لكنه لا يردع، ((وَيَتَعَلَّمُونَ))، أي يتعلم الناس من الملكين ((مَا يَضُرُّهُمْ))، أي الشيء الذي يضرهم في دنياهم ودينهم ((وَلاَ يَنفَعُهُمْ))، أكد بذلك رداً لزعمهم أن السحر ينفعهم حيث يوصلهم إلى إعراضهم ((وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ اشْتَرَاهُ))، أي علم هو المتعلمون للسر <للسحر> أن من اشترى السحر وباع دينه ((مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ))، أي من نصيب، ((وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْاْ بِهِ أَنفُسَهُمْ))، فإنهم أعطوا نفسهم للنار مقابل اشتراء السحر الذي زعموا إنه ينفع دنياهم، ((لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ))، نّزَّل العالم بالشيء منزلة الجاهل حيث لم يعمل بعلمه فإن من لا يعمل بعلمه هو والجاهل سواء.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
الدرة الثمينة

الدرة الثمينة


عدد المساهمات : 61
تاريخ التسجيل : 29/08/2009
العمر : 32

تفسير سورة البقرة*الجزء الثالث* Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سورة البقرة*الجزء الثالث*   تفسير سورة البقرة*الجزء الثالث* Emptyالإثنين أغسطس 31, 2009 9:01 am

تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان
سورة البقرة
103

((وَلَوْ أَنَّهُمْ))، أي اليهود بدل اتّباع السحر ((آمَنُواْ)) حقيقةً ((واتَّقَوْا)) عن فعل المعاصي ((لَمَثُوبَةٌ))، أي ثواب ((مِّنْ عِندِ اللَّه خَيْرٌ)) لهم في دنياهم وآخرتهم ((لَّوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ))، لكنهم حيث لا يعملون بذلك فإنهم لا يعلمونه.

تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان
سورة البقرة
104

((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقُولُواْ)) للرسول حين تكلمتم معه ((رَاعِنَا))، فإن راعنا في اللغة العربية من المراعاة والرعاية، ولكنها في لغة اليهود بمعنى "أسمعت لا سمعت"، فهو سب ودعاء على المخاطب، وقد كانت اليهود اغتنمت هذه الكلمة المتشابهة لسب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بهذا العنوان، فكانوا يأتون إلى الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، ويقولون له: "راعنا"، يريدون بذلك سبه (صلى الله عليه وآله وسلم)، فنهى الله المسلمين عن هذه النقطة حتى لا يتمكن اليهود من التكلم بهذه الكلمة، ((وَقُولُواْ)) عوض ذلك ((انظُرْنَا))، أي انظر إلينا بنظرتك الرحيمة، ((وَاسْمَعُواْ)) أيها المؤمنون أوامرنا وأوامر الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، ((وَلِلكَافِرِينَ)) من اليهود الشمّاتين للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) تحت ستار لفظة "راعنا" ((عَذَابٌ أَلِيمٌ))، أي مؤلم في الآخرة.

تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان
سورة البقرة
105

((مَّا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ)) من اليهود والنصارى والمجوس ((وَلاَ)) من ((الْمُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُم مِّنْ خَيْرٍ مِّن)) قِبَل ((رَّبِّكُمْ))، سواء كان معنوياً كالنبوة والإرشاد والوحي أو مادياً كالغلبة والنصر والمال، ((وَاللّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاء))، فليس إرادة الله تبعاً لإرادة الكفار والمشركين، ((وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ))، فليس فضله خاصاً بقوم من الكفار كما كانت اليهود تزعم أن النبوة فيهم دون غيرهم.

تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان
سورة البقرة
106

((مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ)) بأن نرفع حكمها، ونجعل مكانها حكماً آخر ((أَوْ نُنسِهَا)) بأن نرفع رسمها، ونبلي عن القلوب حفظها، والنسيان له <لا؟؟> يقع بالنسبة إلى القرآن الكريم وإنما بالنسبة إلى الكتب السالفة، ولذا لا يوجد كثير منها فعلاً، أما النسخ فإنه وقع بالنسبة إلى القرآن - على الأَشْهَر - وإلى غيره، ((نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا)) وإنما يقع النسخ والإنساء فيما يؤتى بالمثل، لأن المثل أصلح من المنسوخ والمنسي، فمثلاً إذا سقطت ورقة مالية عن الاعتبار فيأتي الحاكم بورقة أخرى مثلها في القيمة كما يأخذ درهماً من زيد ليعطيه بدله ديناراً، ((أَلَمْ تَعْلَمْ)) أيها اليهودي المنكر للنسخ ((أَنَّ اللّهَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ))، فإن اليهود كانوا يلقون الشبهة بأنه كيف يمكن نسخ كتابهم بالقرآن، وإنه إن كان كتابهم صالحاً فلماذا يُنسخ، وإن لم يكن صالحاً فلماذا أنزله الله تعالى، وقد كان الجواب أن عدم النسخ إما لعدم مثل أو أصلح وإما لعدم قدرة الله تعالى على النسخ، وكلا الأمرين مفقودان، فالمثل والأصلح موجودان، والله على كل شيء قدير.

تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

107

((أَلَمْ تَعْلَمْ)) أيها المنكر للنسخ ((أَنَّ اللّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ))؟ فيتصرف فيما يشاء من الأوضاع والأحكام كيف يشاء. ((وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ))، أي من غير الله ((مِن وَلِيٍّ)) يلي أموركم ((وَلاَ نَصِيرٍ)) ينصركم، فهو سبحانه صلاحكم في النسخ والإنساء، فإن المصالح تختلف حسب اختلاف الأعصار والأشخاص، ولقد كان شأن آيات الله أن تنهض بالبشر مرتبة فمرتبة حتى وصلت النوبة لرسالة الإسلام، وهذه بُدلت بعض جزئياتها قبل تمامها وكمالها تحقيقاً للتناسق بين الرسالة وبين العصر حتى إذا كملت لم يبق مبرر أو تحوير بل تبقى إلى الأبد.

تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان
سورة البقرة
108

((أَمْ تُرِيدُونَ)) أيها المعاصرون للرسول من مسلم وكتابي ومشرك ((أَن تَسْأَلُواْ رَسُولَكُمْ)) أسئلة تعنت ولجاجة ((كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِن قَبْلُ))؟ حيث كانوا يقترحون عليه اقتراحات ويسألونه مُحالات، كقولهم لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة، فإن المعاصرين كانوا يسألون ما لا يعنيهم أو ما أشبه، كقولهم (أو تسقط السماء علينا كسفاً)، فقد زجرهم الله سبحانه لهذه الأسئلة التي لا ترتبط بمقام الرسول والرسالة من بعد ما تبين لهم الهدى، وقوله "رسولكم" لا يختص بالمؤمنين، إذ يكفي في الإضافة أدنى ملابسة، ((وَمَن يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالإِيمَانِ)) بأن يأخذ الكفر ويترك الإيمان الذي من مصاديقه الأسئلة التعنتية - إذ أنها من سمات الكفر والانحراف - ((فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ))، أي وسطة الموصل إلى المطلوب.

تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان
سورة البقرة
109

((وَدَّ))، أي أحب ((كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ))، اليهود والنصارى والمجوس ((لَوْ يَرُدُّونَكُم)) أيها المسلمون ((مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً))، فتكونون مثلهم ((حَسَدًا)) منكم كيف صرتم إلى حضرة الإيمان وتقدمتم في الحياة، وهذا الحب ليس من جهة أنهم متدينون فيأسفون عليكم لماذا تركتم الإيمان، بل الحب ((مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم)) تشبيهاً وحسب أهوائهم، أي أن مبدأ الحب هوى النفس لا الدين ((مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ))، فليس ذلك لجهلهم بدينكم وحقيقتكم، ((فَاعْفُواْ)) أيها المسلمون عنهم، ((وَاصْفَحُواْ)) عن أعمال الكفار، ولا تقابلوا إساءتهم بالمثل ((حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ))، فيأذن لكم في المبارزة والمقاتلة والمقابلة بالمثل، ((إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ))، فيأتي يوم يجعلكم أقوياء فتتمكنوا من محاربة هؤلاء الكفار فيأذن لكم في المبارزة معهم.

تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان
سورة البقرة
110

((وَ)) أما فعلاً حيث لم يأت الله بأمره فـ((أَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ))، ولا تبارزوا، ((وَمَا تُقَدِّمُواْ لأَنفُسِكُم)) من إعطاء الزكاة وسائر الخيرات التي هي لأنفسكم لأنها تعود إليكم في الدنيا بالألفة وفي الآخرة بالثواب ((مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللّهِ)) يوم القيامة، ((إِنَّ اللّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ))، فلا يضيع شيء يصرف في وجهه ولا عمل يؤتى لأجله.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
الدرة الثمينة

الدرة الثمينة


عدد المساهمات : 61
تاريخ التسجيل : 29/08/2009
العمر : 32

تفسير سورة البقرة*الجزء الثالث* Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير سورة البقرة*الجزء الثالث*   تفسير سورة البقرة*الجزء الثالث* Emptyالإثنين أغسطس 31, 2009 9:03 am

تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان
سورة البقرة
111

((وَقَالُواْ لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى))، قالت اليهود لن يدخلها إلا النصارى، و"هود" جمع "هائد" كـ"عود" جمع "عائد"، ((تِلْكَ)) المقالة ((أَمَانِيُّهُمْ))، جمع "أمنية"، أي رغبتهم الكاذبة، ((قُلْ)) يا رسول الله لهم ((هَاتُواْ))، أي أحضروا وجيئوا ((بُرْهَانَكُمْ)) ودليلكم على ما تدعون ((إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ)) في مقالتكم.

تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان
سورة البقرة
112

((بَلَى)) جواب سؤال تقديره أفليس يدخل الجنة أحد، ومن هو؟ فقيل: "بَلَى" ((مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلّهِ))، وخص الوجه لأنه أشرف الأعضاء، فإذا أسلمه الشخص فقد أسلم جميع جوارحه ((وَهُوَ مُحْسِنٌ)) في عمله ((فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ))، فهو يدخل الجنة سواء كان يهودياً في زمان موسى أو نصرانياً في زمان عيسى أو مسلماً في زمان محمد أو من سائر الأمم في زمان أنبيائها (عليهم الصلاة والسلام)، وهكذا كلام معه دليله، إذ معيار الدخول في الجنة الإيمان والعمل الصالح، فلا يقال لمن يقول ذلك: "هاتك برهانك."

تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان
سورة البقرة
113

((وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَىَ شَيْءٍ <وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ>)) من دين وإيمان وتقوى، فكل طائفة تجعل نفسها الناجية وغيرها الهالكة، ((وَ)) الحال أن ((هُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ))، والتالي للكتاب لا يحق له أن يقول مثل هذه المقالة، إذ كل منهم يعلم أن صاحبه على بعض الشيء، فإن اليهود يعرفون أن النصارى لهم إيمان في الجملة، وكذلك النصارى يعرفون أن اليهود لهم إيمان في الجملة، ((كَذَلِكَ)) القول ((قَالَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ)) من الكفار ((مِثْلَ قَوْلِهِمْ))، وهذا تأنيب للطائفتين حيث صاروا كمن لا كتاب له وهو جاهل، فإن الجاهل يمكن أن يقول ليس اليهود أو النصارى على شيء لأنه يزعم بطلان كليهما، ((فَاللّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ)) جميعاً ((يَوْمَ الْقِيَامَةِ))، وهناك يتبين لكل طائفة أنه على شيء أم لا، ((فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ))، ولعل تخصيص الحكم بهناك لأن هناك لا تبقى شبهة في الحكم، بخلاف حكمه سبحانه في الدنيا، فإن من لا يؤمن بالإسلام لا يعترف بحكمه.

تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان
سورة البقرة
114

((وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللّهِ)) وهي عامة لكل مانع وإن كان ينطبق على أهل مكة الذي منعوا الرسول عن المسجد الحرام وبخت النصر الذي منع عن بيت المقدس ((أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ))، أي لا أحد أظلم من هكذا شخص، والحصر المستفاد من الآية إضافي، وإلا فمن قتل الأنبياء أظلم، ((وَسَعَى فِي خَرَابِهَا))، خرابها معنوياً بمنع المصلين عنها أو خراب العمارة والبناء، ((أُوْلَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَا إِلاَّ خَآئِفِينَ)) من عذاب الله سبحانه، فمن يسعى في خراب المساجد كيف يدخلها آمناً، أو خائفين من المسلمين أن يعاقبوهم، ((لهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ)) بالعقاب الإسلامي لمن فعل ذلك، أو إخبار بخزي عن الله سبحانه بمن يسعى في خراب المساجد، ((وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ)) حيث يذوق النار مهاناُ، ولعل في هاتين الآيتين أيضاً تلميح إلى فعل اليهود بمنعهم عن المساجد.

تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان
سورة البقرة
115

((وَلِلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ)) فكلتا الجهتين له سبحانه خلقها، وهما ملك له وحده، ((فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ)) وجوهكم ((فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ))، وجه الله جانبه، أي إن الله سبحانه محيط بالعلم والقدرة على كل ناحية، فإذا توجه الإنسان إلى المشرق فقد توجه إلى الله، وإذا توجه إلى المغرب فقد توجه إلى الله، وليس الله جسماً حتى يكون له مكان معين يلزم التوجه إليه، ((إِنَّ اللّهَ وَاسِعٌ)) علماً وقدرة لأنه محيط بجميع الجهات، ((عَلِيمٌ)) بما يفعله الإنسان من التوجه إلى أية ناحية، وربما قيل بأنها نزلت في رد اليهود الذين قالوا: كيف انصرف محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) عن قبلة بيت المقدس إلى الكعبة؟

تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان
سورة البقرة
116

((وَقَالُواْ)): (اليهود عزير بن الله)، والنصارى قالوا: (المسيح ابن الله)، والمشركون قالوا: الملائكة بنات الله، ((اتَّخَذَ اللّهُ وَلَدًا)) إما بأن أولده كما زعم بعضهم أو اتخذ بعنوان التبني، ((سُبْحَانَهُ))، أي أنزهه عن ذلك تنزيهاً ((بَل لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ))، فكيف يكون المملوك ولداً، إذ الولد ليس ملكاً للوالد، ثم أن الملك تحت التصرف فالتبني لماذا؟ ((كُلٌّ))، أي كل من السماوات والأرض ((لَّهُ)) تعالى ((قَانِتُونَ))، أي خاضعون ومطيعون.

تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان
سورة البقرة
117

((بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ))، أي مبدعهما ومنشئهما وخالقهما، وهذا تأكيداً لما في الآية السابقة من أن (له ما في السماوات والأرض)، ((وَإِذَا قَضَى أَمْراً)) وأراده ((فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ))، أي لذلك الأمر المراد ((كُن))، أي يأمره بأن يوجد ((فَيَكُونُ))، أي فيوجد عقيب أمره، فالكون بهذا النحو طوع إرادته وأوامره.

تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان
سورة البقرة
118

((وَ)) بعد ذكر اختلاف أهل الكتاب ومنعهم - وسائر المشركين - عن المساجد وشركهم في باب التوحيد، تعرض القرآن الحكيم حول كلامهم بالنسبة إلى المراسلة فقال: و((قَالَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ)) موازين الوحي والرسالة ((لَوْلاَ يُكَلِّمُنَا اللّهُ))، أي هلّا يكلمنا ربنا بأن يأمرنا بأوامره بدون احتياج إلى الوسيط، أو يكلمنا بأنك نبي، ((أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ)) ومعجزة حسب اقتراحنا، ((كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم)) لأنبيائهم ((مِّثْلَ قَوْلِهِمْ)) ، فقال لموسى (عليه السلام) أرنا الله جهرة، ((تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ)) في الإنكار والعتب في الاقتراح والتعنت، ((قَدْ بَيَّنَّا الآيَاتِ))، فلا حاجة إلى تكليم الله، ولا إلى الإتيان بخوارق اقترحتموها، وإذ كان مرادهم غير ذلك فليس على الله إلا إتمام الحجة ((لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ))، إنما خصهم لأنهم الذين يستفيدون منها وينتفعون بها.

تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان
سورة البقرة
119

((إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ)) يا رسول الله ((بِالْحَقِّ)) تأكيداً للإرسال، إذ كل إرسال الله تعالى بالحق ((بَشِيرًا)) تبشر المؤمنين المطيعين ((وَنَذِيرًا)) تنذر الكافرين والعاصين، فأنت رسولنا وإن كانوا يشكون في رسالتك، ويسألونك عن أشياء تافهة، ((وَلاَ تُسْأَلُ)) أنت ((عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ))، فلست أنت مكلفاً عنهم، وإنما عليك التذكير فقط.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
تفسير سورة البقرة*الجزء الثالث*
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» تفسير سورة البقرة*الجزء الأول*
» تفسير سورة البقرة*الجزء الثاني*
» **تفسير سورة الفاتحة**
» الجزء الثاني من زيارة الشيخ الداعية محمد حسان

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
نسمة أمل :: قسم الاسلاميات-
انتقل الى: