من المهم أن نزرع مراقبة الله I في نفوس أطفالنا في رمضان وفي غير رمضان على السواء, ويكون استشعار مراقبة الله U للطفل في كل أوقاته، وأنَّ الله مطلع على أعماله كلها ومحصيها ومحاسبه عليها، وأنَّ الله لا تخفى عليه خافية {سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ} [الرعد: 10]. فلا يمكن أن يتجرأ على المعصية حين يخلو بنفسه ولا يراه أحد؛ لأنه يعلم أن الله I يراه, فحين يستشعر الطفل هذه المعاني يراقب الله، ويعلم أن الله لا تخفى عليه خافيه؛ فيستحي أن يصعد إليه من كلامه أو أفعاله ما يخزيه ويفضحه.
ونُذَكِّر الطفل أن الله قد وكَّل به ملائكة لا يفارقونه إلا عند قضاء الحاجة, يحصون عليه أعماله ويكتبونها، وأنَّ هناك على الكتف الأيمن مَلَكًا يكتب الحسنات، وعلى الكتف الأيسر ملكًا يكتب السيئات والأخطاء، فإذا أخطأ الطفل فليسارع بالاستغفار قبل أن تُكتب في سجلّ السيئات, وحتى إن كُتبت فالاستغفار يمحوها ويبدِّلها حسنةً بإذن الله؛ وذلك لأنَّ الله يحبنا ويريد لنا الخير في كل وقت.
ومع أنَّ الطفل في هذه المرحلة غير محاسب لأنه دون التكليف، إلا أنَّ غرس هذه المراقبة لله والخوف من المعصية أمر لا بُدَّ منه مبكرًا؛ حتى يَشُبَّ الطفل عليه. ونعلِّم الطفل أن صيام رمضان لله I، وأنه هو الذي سيعطينا الثواب، وأنه مطلع علينا في كل وقت وفي كل مكان.
ومما يساعد على ترسيخ هذه المراقبة، القصص الواقعية، والأطفال بطبيعتهم يحبون القصص وينصتون إليها، ومن تلك القصص:
قصة الغلام راعي الغنم
كان ابن عمر -رضي الله عنهما- في سفرٍ فرأى غلامًا يرعى غنمًا, فقال له: تبيع من هذه الغنم واحدة؟
فقال الغلام: إنها ليست لي.
فقال ابن عمر: قل لصاحبها: إن الذئب أخذ منها واحدة.
فقال الغلام: أين الله؟!
فكان ابن عمر يقول مقالة ذلك العبد: فأين الله؟
قصة بائعة اللبن
أصدر عمر t قانونًا يمنع غش اللبن بخلطه بالماء.. ولكن هل تستطيع عين القانون أن ترى كل مخالف، أو أن تقبض على كل خائن وغاشٍّ؟ القانون أعجز من هذا.. الإيمان بالله والمراقبة له هو الذي يعمل عمله في هذا المجال.
وهنا تحكي القصة المشهورة, حكاية الأم وابنتها: الأم تريد أن تخلط اللبن بالماء طمعًا في زيادة الربح، والبنت المؤمنة تذكِّرها بمنع أمير المؤمنين، وتردُّ الابنة بالجواب المفحم: إن كان أمير المؤمنين لا يرانا, فرَبُّ أمير المؤمنين يرانا!!
تربية خال
قال سهل بن عبد الله التُّستريّ رحمه الله:
كنت وأنا ابن ثلاث سنين أقوم الليل, فأنظر صلاة خالي محمد بن سوار.
فقال لي يومًا: ألا تذكر الله الذي خلقك؟
فقلت له: كيف أذكره؟
قال: قُلْ بقلبك عند تقلُّبك في ثيابك ثلاث مرات من غير أن تحرِّك به لسانك: (الله معي، الله ناظر إليَّ، الله شاهدي).
فقلت ذلك ليالي, ثم أعلمته.
فقال: قل في كل ليلة سبع مرات.
فقلت ذلك، ثم أعلمته.
فقال: قُلْ ذلك كل ليلة إحدى عشرة مرة.
فقلته، فوقع في قلبي حلاوته. فلما كان بعد سنة قال لي خالي: احفظ ما علَّمْتُك, ودُمْ عليه إلى أن تدخل القبر؛ فإنه ينفعك في الدنيا والآخرة. فلم أزل على ذلك سنين, فوجدتُ لذلك حلاوةً في سري. ثم قال لي خالي يومًا:
يا سهل، من كان الله معه، وناظرًا إليه وشاهده، أيعصيه؟! إياك والمعصية!
كذلك يجب على الوالدين أن يدرِّبا الطفل على أنَّ الله رقيب عليهم في أحاسيسهم تجاه الآخرين؛ حتى يَشُبَّ الطفل على كل إحساس نظيف وشعور طاهر، فيتعلم الطفل أن لا يحسد ولا يحقد ولا ينمَّ، وكلما أصابه نزغٌ من الشيطان أو وسواس سوءٍ أن يستغفر الله، ويستعيذ به من الشيطان الرجيم[1].